يُعد شهر رمضان من أكثر الشهور التي تكثر فيها العبادة والتقرب إلى الله وطاعته، وفي هذا الشهر الكريم نرى كثير من الفتيات يحققن أوامر الله، ويقمن بارتداء الحجاب والالتزام في ملابسهن ويكثرن من الطاعة والعبادة والبعد عما يغضب الله، ولكن بمجرد انقضاء الشهر يقمن بخلع الحجاب مرة أخرى، وكأن شيئاً لم يكن، وهو ما جعل البعض يطلق على هذه الظاهرة "حجاب الصيام" أو "حجاب رمضان" لأنه يقتصر فقط على الشهر الكريم.
حجاب مؤقت
في البداية تقول زينب (17 عاما) :" أنا لست محجبة، ولكني ملتزمة في ملابسي، واعتدت أن ارتدي الحجاب في رمضان فقط، وبعد انتهاء الشهر أقوم بخلعه، وربما سيأتي اليوم الذي ارتدي فيه الحجاب ولا أخلعه، لأني أصلي وملابسي محتشمة، ولكني لست متعجلة في مسألة الحجاب فأنا مازلت صغيرة، ومسألة ارتدائي للحجاب وخلعه بعد رمضان لا ترهق تفكيري كثيراً لأن صديقاتي في المدرسة يفعلن نفس الشيء مثلي تماماً".
أما نهى (25 عاماً) فتقول:" أنا والحمد لله محجبة منذ عامين، ولكن قبل التزامي، كنت ارتدي الحجاب أثناء نهار رمضان فقط وأخلعه بعد الإفطار، وبعد رمضان أخلعه تماماً، إلى أن هداني الله للحجاب بشكل دائم، ولكن لي أصدقاء في مجال عملي بإحدى الشركات مازلن يفعلن ما كنت أفعله وهو ارتداء الحجاب والالتزام في طريقة اللبس خلال شهر الصيام، وبعد انتهائه يعدن لكشف الشعر ووضع المساحيق وارتداء الملابس الضيقة، وقد احترت في أمرهن وكثيراً ما نصحتهن، ولكني لا أعرف كيف أستطيع إيصل المعلومات صحيحة لهم".
سيكولوجية الحجاب
وإذا كان البعض قد جعل من الحجاب مجرد قطعة من القماش يرتديها ويخلعها وقتما يحب، فإن دراسة ميدانية إجرائها د.عبد الرحمن العيسوي– أستاذ علم النفس بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية- حول الوظيفة النفسية والاجتماعية والروحية للحجاب، كشفت عن تأثيرات عميقة للحجاب لدى الفتيات اللاتي يرتديهن، بما يتجاوز بكثير كونه قطعة من القماش تستر الرأس.
نتائج الدراسة، التي شملت 370 طالبة من جامعة الإسكندرية ممن يرتدين الحجاب، كشفت أن التحجب يحقق للفتاة عدة وظائف، وعلى رأسها:
تعميق أواصر الصلة بين الفتاة وخالقها، وتعميق مشاعر الإيمان لدى الفتاة، وزيادة الشعور باحترام الذات، واحترام الآخرين لها، والشعور بالتحشم واللياقة والوقار والقيمة الذاتية.
والحجاب، وفقا للدراسة، يمنح الفتاة مزيدا من الشعور بالرضا عن الذات وقبولها وإبعاد مشاعر الألم والذنب، ويمنحها مزيدا من ثقة الأهل، كما أنه يحميها من حوادث الخطف أو الاغتصاب، ويزيد فرصتها في الزواج حيث يقبل الشبان على الفتاة المتدينة الصالحة، فضلا عن أن الحجاب يزيد من الشعور بالانتماء الإسلامي لدى الفتاة ويبعد عن نفسيتها مشاعر الاغتراب والإثم.
اغتنمي رمضان
وتقول أ.مشيرة عبد المعطي (أخصائية علم الاجتماع) عن الحجاب :"الحجاب ليس تعذيباً للمرأة، إنما يشترك في آداب اللباس كل من المرأة والرجل، فكما فرض الله على المرأة الحجاب، فرض على الرجل عدم ارتداء الحرير والذهب، وستر العورة، وغض البصر، والنهي عن التشبه بالنساء ".
وتضيف:" أما عن الفتيات اللاتي يرتدين الحجاب في أيام رمضان ويقمن بخلعه بعد انقضاء الصيام، فقد يرجع هذا لاعتقاد خاطئ من الفتاة بأنها لو ارتدت الحجاب فإن ذلك سيقلل هذا من أنوثتها وجمالها وبالتالي تقل فرصتها في الزواج، ولهذا نرى هذه الفئة ترتدي الحجاب في رمضان كي تتمم صيامها بشكل صحيح وتخلعه بعد ذلك، ليس عن عدم اقتناع بالحجاب، ولكن لأنها تخشى على نفسها من العنوسة، وهذا التفكير بالطبع غير صحيح، فالشباب –على العكس من ذلك- يقبل على الفتاة المحجبة الملتزمة بدينها القريبة من ربها".
وترى أ.مشيرة أن رمضان يجب أن يكون بداية للتحجب وليس نهاية أو محطة عابرة، فهذا الشهر الفضيل فرصة عظيمة للالتزام والتقرب إلى الله، فالنفوس تكون مهيأة فيه لتلقي الخير والبعد عن الشر والنفور منه، ولا ننسى قول الله جل وعلا:{مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}".
لكل وقت وزمان
وعن رأي الشرع في مسألة ارتداء الحجاب وخلعه بعد رمضان، يقول خالد الجندي (الداعية الإسلامي المعروف) : "الحجاب فريضة، وتركه حرام بالأدلة الثابتة الواردة في الكتاب والسنة وبإجماع أراء العلماء وأئمة المسلمين، فلا ريب ولا خلاف في وجوب الحجاب شرعًا على كل مسلمة بالغة، ويكفي في ذلك قول الله تعالى: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}، وأيضاً قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ}، فكيف تقوم بعض الفتيات بارتداء الحجاب أثناء الصيام وتخلعه بعد ذلك، وكأن رب رمضان ليس هو رب كل الشهور، فأنت كمسلمة تعبدين الله وليس تعبدين شهر بعينه، وخلع الفتاة للحجاب يعرضها لذنب كبير ويحرمها من الأجر والثواب عند الله".
ويؤكد الجندي أن:"الحجاب واجب وفرض في رمضان وغير رمضان وهذا حكم شرعي معلوم من الدين بالضرورة، ولذا لا يقبل نقاشا ولا جدالاً، وعلى أي حال التي ترتدي الحجاب في رمضان لها ثواب الالتزام بهذا الحكم ولعل ذلك يشجعها علي الاستمرار، فالالتزام بالحجاب يزيد من أجر الصيام ويجعلها تنال رضا الله، وهذا الرضا سيستمر إن هي استمرت في حجابها، ولذا فعليها ذنب كبير لو قامت بخلعه".
ويضيف :"على الفتاة المسلمة السمع والطاعة لله ورسوله، والحجاب هو دليل على الطاعة، ويقول تبارك وتعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُّبِينًا}، فطاعة الله ورسوله هي الدليل على حبنا لله ورسوله ".
ويختم الشيخ "خالد الجندي" حديثه بالقول: "يجب على كل مسلمة ومسلم تطبيق تعاليم الله سبحانه كاملة كما أنزلها دون التفريط في أي منها، وألا نأخذ منها ما يعجبنا ويوافق هوى أنفسنا، ونترك ما لا يعجبنا، والدليل قوله تعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}".