هناك عوالم كثيرة من حولنا خلقها الله وسخرها لأهداف محددة، ومنها عالم الجن وعالم الملائكة وغير ذلك من العوالم الغيبية، فهل يمكن أن يأتي ذلك اليوم حيث يكشف العلم عن هذه العوالم....
هذا سؤال وردني من أحد الإخوة الأفاضل، وذلك تعقيباً على مقالتي: "عالم الجن... رؤية علمية جديدة" يقول الأخ السائل: لماذا لا نفكر بطريقة علمية لكشف عالم الجن؟ وهل هناك محظور شرعي؟ وهل هناك إمكانية علمية لتحقيق ذلك؟
وأقول: إن الله تعالى أخبرنا بأن إبليس وذريته وأعوانه لا يمكن رؤيتهم فقال: (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ) [الأعراف: 27]. ولكن هل يمكن أن تتطور أجهزة القياس ونتمكن من كشف هذا العالم الخفي؟ أتصور أنه لا يوجد محظور شرعي للبحث في مثل هذه المواضيع وبخاصة أن القرآن حذَّرنا كثيراً من الشيطان وأساليبه، بل أمرنا أن نتخذ الشيطان عدواً!!
يقول تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: 6]. فهذا أمر إلهي لكل مؤمن أن يتخذ الشيطان عدواً، ولتحقيق ذلك لابد أن نبحث عن هذا الشيطان وعن أساليبه وطرائقه التي يغوي بها المؤمن ويضل بها عباد الله. وإلا كيف نتخذه عدواً ونحن نجهله؟
من هنا يمكن القول إن الله تعالى أعطانا صفات للشيطان أو لعالم الجن بشكل عام يمكن من خلالها أن نتعرف على هذه المخلوقات التي تعيش معنا وبجوارنا وتعبث بضعاف القلوب، ولكن ليس لها أي سيطرة على المؤمن الذي يردد القرآن باستمرار ويكرر الأدعية المأثورة.
يقول تعالى عن "عصا" موسى عندما ألقاها فاهتزت: (فَلَمَّا رَآَهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ) [النمل: 10]. فهذه الآية تؤكد الطبيعة الاهتزازية للجن، ومن هنا يمكن القول بما أن كل شيء في الكون يهتز وبما أن طبيعة الجن طبيعة اهتزازية فهذا يفتح أمامنا طريقاً للبحث عن وسيلة علمية لكشف عالم الجن! وخصوصاً عندما نعلم أن أجهزة القياس اليوم يمكنها تحسس أي اهتزاز مهما كان صغيراً، وربما الترددات التي يطلقها عالم الجن تؤثر على هذه الأجهزة ولكننا لا ندركها!
وبالنتيجة إن الشيطان مخلوق ضعيف جداً ولا يمكنه التأثير إلا على من هو بعيد عن الله وعن كتابه وعن سنة نبيه، وقد يكون عالم الجن عالم اهتزازي أشبه بالترددات التي نعرفها (الموجات الكهرطيسية التي لا تُرى ولكن الأجهزة ترصدها)، ولكن هذه الاهتزازات لها طبيعة مختلفة عما نعرفه، والبحث عنها أمر وارد لنتمكن من معرفة طبيعة الشيطان لنتخذه عدواً كما أمرنا الله تعالى.
ولكن عالم الملائكة هو عالم غيبي لا يمكن معرفته أو الكشف عنه في الدنيا، أما في الآخرة فسوف نرى الملائكة لأن الله تعالى يقول: (وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الزمر: 75]. أما الكافر فسوف يرى الملائكة بشكل مرعب وبخاصة لحظة الموت، يصور لنا القرآن هذا المشهد: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آَيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) [الأنعام: 93].
نسأل الله تعالى أن يبصِّرنا في هذا الدين وأن يزيدنا علماً وأن ينفعنا بهذا العلم، عسى أن نكون من الذين قال فيهم: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت: 30-32].